فصل: من فوائد الشعراوي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)}.
فالله سبحانه وتعالى، شبه ما في قلوب المنافقين بأنه مرض، والمرض أولا يورث السقم، فكأن قلوبهم لا تملك الصحة الإيمانية التي تحيي القلب فتجعله قويا شابا، ولكنها قلوب مريضة، لماذا كانت مريضة؟ لقد أتعبها النفاق وأتعبها التنافر مع كل ما حولها، وأحست أنها تعيش حياة ملؤها الكذب، فاضطراب القلب، جعله مريضا، ولا يمكن أن يشفى إلا بإذن الله، وعلاجه هو الإيمان الحقيقي الصادق، ذلك الذي يعطيه الشفاء، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا} [الإسراء: 82].
إذن فالإيمان والقرآن هما شفاء القلوب، كلاهما بعيد عن قلوب هؤلاء المنافقين، فكأن المرض يزداد في قلوبهم مع الزمن، والله سبحانه وتعالى- بنفاقهم وكفرهم- يزيدهم مرضا. وهذه هي الصفة الثالثة للمنافقين.. أنهم أصحاب قلوب مريضة سقيمة، لا يدخلها نور الإيمان، ولذلك فهي قلوب ضعيفة، ليس فيها القوة اللازمة لمعرفة الحق. وهي قلوب خائفة من كل ما حولها، مرتعبة في كل خطواتها، مضطربة بين ما في القلب وما على اللسان، والمريض لا يقوى على شيء وكذلك هذه القلوب لا تقوى على قول الحق، ولا تقوى على الصدق، ولا ترى ما حولها، تلك الرؤية التي تتناسب وتتفق مع فطرة الإيمان، التي وضعها الله تعالى في القلوب، ولذلك إذا دخل المنافقون في معركة في صفوف جيش المسلمين.. فأول ما يبحثون عنه هو الهرب من المعركة، يبحثون عن مخبأ يختفون فيه، أو مكان لا يراهم فيه أحد، والله سبحانه وتعالى يصفهم بقوله: {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئًا أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ} [التوبة: 57].
لماذا؟ لأنهم أصحاب قلوب مريضة، لا تقوى على شيء، ومرضها يجعلها تهرب من كل شيء، وتختفي. وليت الأمر يقتصر عند هذا الحد، ولكن ينتظرهم في الآخرة عذاب أليم، غير العذاب الذي عانوه من قلوبهم المريضة في الدنيا، فبما كانوا يكذبون على الله وعلى رسوله، ينتظرهم في الآخرة عذاب أليم أشد من عذاب الكافرين، والله سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: 145]. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)}.
أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {مرض} قال: شك {فزادهم الله مرضًا} أي قال: شكًا.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود مثله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {في قلوبهم مرض} قال: النفاق {ولهم عذاب أليم} قال: نكال موجع {بما كانوا يكذبون} قال: يبدلون ويحرّفون.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له أخبرني عن قوله تعالى: {في قلوبهم مرض} قال: النفاق. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت قول الشاعر:
أجامل أقوامًا حياء وقد أرى ** صدورهم تغلي عليّ مراضها

قال: فأخبرني عن قوله: {ولهم عذاب أليم} قال: {الأليم} الموجع قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت قول الشاعر:
نام من كان خليًا من ألم ** وبقيت الليل طولًا لم أنم

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كل شيء في القرآن {أليم} فهو الموجع.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: {الأليم} الموجع في القرآن كله.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {مرض} قال: ريبة وشك في أمر الله {فزادهم الله مرضًا} قال: ريبة وشكًا {ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون} قال: إياكم والكذب فإنه من باب النفاق، وإنا والله ما رأينا عملًا قط أسرع في فساد قلب عبد من كبر أو كذب.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: {في قلوبهم مرض} قال: هذا مرض في الدين، وليس مرضًا في الأجساد. وهم المنافقون و{المرض} الشك الذي دخل في الإِسلام.
وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله: {في قلوبهم مرض} قال: هؤلاء أهل النفاق. والمرض الذي في قلوبهم الشك في أمر الله عز وجل: {فزادهم الله مرضًا} قال: شكًا.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: العذاب الأليم. هو الموجع وكل شيء في القرآن من {الأليم} فهو الموجع. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

{في قلوبهم مرض} الجار والمجرور خبر مقدّم واجب التقديم لما تقدّم ذكره في قوله تعالى: {وعلى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة: 7].
والمشهور تحريك الراء من {مرض}.
وَرَوَى الأصمعي عن أبي عمرو سكونها، وهما لغتان في مصدر مَرِضَ يَمْرَضُ.
والمرض: الفتور.
وقيل: الفساد.
وقيل: صفة توجب وقوع الخَلَلِ في الأفعال الصادرة عن الفاعل، ويطلق على الظلمة؛ وأنشدوا: البسيط:
فِي لَيْلَةٍ مَرِضَتْ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ ** فَمَا يُحِسُّ بِهِ نَجْمٌ وَلاَ قَمَرُ

أي: لظلمتها، ويجوز أن يكون أراد ب {مَرِضَتْ} فَسَدَت، ثم بين جهة الفَسَادِ بالظُّلمةِ.
قوله: {فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا}.
هذه جملة فعلية معطوفة على الجملة الاسمية قبلها، متسبّبة عنها، بمعنى أنَّ سبب الزِّيَادة حصول المرض في قلوبهم، إذ المراد بالمرض هنا الغِلّ والحسد لظهور دين الله تعالى.
وزاد يستعمل لازمًا ومتعديًا لاثنين ثانيهما غير الأول كأَعْطَى وكَسَا، فيجوز حذف مفعوليه، وأحدهما اختصارًا واقتصارًا، تقول: زاد المال فهذا لازم، وزدت زيدًا أجرًا ومنه: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13]، {فَزَادَهُمُ الله مَرَضًا} [البقرة: 10] وودت زيدًا ولا تذكر ما زدته، وزدت مالًا ولا تذكر من زدته.
وألف زاد منقلبة عن ياء؛ لقولهم: يزيد.
وقرأ ابن عامر وحمزة: {فزادهم} بالإمالة.
وزاد حمزة زاد حيث وقع، و{زَاغَ} [النجم: 17] {وَخَابَ} [إبراهيم: 15]، و{طَابَ} [النساء: 3]، و{حَاقَ} [الأنعام: 10]، والآخرون لا يميلونها.
فصل في أوجه ورود لفظ المرض:
ورد لفظ المرض على أربعة أوجه:
الأول: الشّك كهذه الآية.
الثاني: الزِّنَا قال تعالى: {فَيَطْمَعَ الذي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 32].
الثالث: الحَرَجُ قال تعالى: {أَوْ كُنتُمْ مرضى أَن تضعوا أَسْلِحَتَكُمْ} [النساء: 102].
الرابع: المرض بعينه.
قوله: {وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ} نظيره قوله تعالى: {وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ} [البقرة: 7] وقد تقدّم.
و{أليم} هنا بمعنى: مُؤْلِم، كقوله: الوافر:
ونَرْفَعُ مِنْ صُدُورِ شَمَرْدَلاَتِ ** يَصُكُّ وُجُوهَهَا وَهَجٌ أَلِيمُ

ويجمع على فُعَلاَء كشريف وشرفاء، وأفْعَال مثل: شريف وأشراف، ويجوز أن يكون فعيل: هُنَا للمُبَالغة محولًا من فَعِل بكسر العَيْنِ، وعلى هذا تكون نسبة الألم إلى العَذّابِ مجازًا، لأنّ الألم حلّ بمن وقع به العذاب لا بالعذاب، فهو نظير قولهم: شِعْرٌ شَاعِر.
و{بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} متعلّق بالاستقرار المقدر في لهم، أي: استقر لهم عَذَابٌ أليم بسبب تكذيبهم.
وما يجوز أن تكون مصدرية، أي: بكونهم يكذبون، وهذا على القول بأن لكان مصدرًا، وهو الصحيح عند بعضهم للتصريح به في قول الشاعر: الطويل:
بِبَذْلٍ وَحِلْمٍ سَادَ في قوْمِهِ الفَتَى ** وَكَوْنُكَ إِيَّاهُ عَلَيْكَ يَسِيرُ

فقد صَرّح بالكون، ولا جائز أن يكون مصدر كان التَّامة لنصبه الخبر بعدها، وهو إياه على أنَّ للنظر في هذا البيت مجالًا ليس هذا موضعه.
وعلى القول بأن لها مصدرًا لا يجوز التصريح به معها، لا تقول: كان ويدًا قائمًا كونًا، قالوا: لأن الخبر كالعوض من المصدر، ولا يجمع بين العوض والمُعَوَّض منه، وحينئذ فلا حَاجَةَ إلى ضمير عائد على ما؛ لأنها حرف مصدري على الصحيح، خلافًا للأخفش وابن السَّراجِ في جعل المصدرية اسمًا.
ويجوز أن تكون ما بمعنى الذي، وحينئذ فلابد من تقدير عائدٍ أي: بالذي كانوا يكذبونه، وجاز حَذْفُ العائد لاستكمال الشُّروط، وهو كونه منصوبًا بفعل، وليس ثمَّ عائد آخر.
وزعم أبو البَقَاءِ أن كون ما موصولةً اسميةً هو الأظهر، قال: لأنّ الهاء المقدرة عائدة على الذي لا على المصدر.
وهذا الَّذِي قاله غير لازم، إذ لقائل أن يقول: لا نسلّم أنه لابد من هاءٍ مقدّرة حتى يلزم جعل ما اسمية، بل من قرأ: {يَكْذِبُونَ} مخففًا فهو عنده يكذبون الرَّسول والقرآن، أو يكون المشدّد بمعنى المخفّف، وقرأ الكوفيون: {يَكْذِبُونَ} بالفتح والتَّخفيف، والباقون بالضَّم والتشديد.
و{يكذّبون} مضارع كذَّب بالتشديد، وله معانٍ كثيرة: الرَّمي بكذا، ومنه الآية الكريمة والتعدية نحو: فَرَّحْتُ زيدًا.
والتكثير نحو: قَطَّعْتُ الأثواب.
والجعل على صفة نحو: قَطَّرْتُه أي: جعلته مقطرًا؛ ومنه: السريع:
قَدْ عَلِمَتْ سَلْمَى وَجَارَاتَهَا ** مَا قَطَّرَ الفَارِسَ إِلاَّ أَنَا

والتسمية نحو: فَسَّقْتُهُ أي: سميته فاسقًا.
والدعاء له نحو: سَقَّيْتُهُ أي قلت له: سَقَاكَ الله.
أو الدعاء عليه نحو: عَقَّرْتُه أي قلت: عَقْرًا لك.
والإقامة على الشي نحو: مَرَّضْتُه والإزالة نحو: قَذَّيْتُ عينه أي: أزلت قَذَاها.
والتوجّه نحو: شَرَّقَ وغَرَّبَ، أي: توجّه نحو الشرق والغرب.
واختصار الحكاية نحو: أمَّنَ قال: آمين.
وموافقة تَفَعَّلَ وفَعَلَ مخففًا نحو: وَلَّى بمعنى تولّى، وقَدَّرَ بمعنى قَدَر، والإغناء عن تَفَعَّلَ وفَعَلَ مخففًا نحو حَمَّرَ أي تكلم بلغة حمير، قالوا: مَنْ دخل ظَفَارِ حَمَّرَ وعَرَّدَ في القِتَال هو بمعنى مخففًان وغن لم يلفظ به.
والكذب اختلف النَّاس فيه، فقائل: هو الإخبار عن الشيء بخير ما هو عليه ذهنًا وخارجًا، وقيل: غير ما هو عليه في الخارج، سواء وافق في ما في الخارج أم لا، والصّدق نقيضه. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في كذب:
كَذَب يَكْذِبُ كَذِبًا وكِذْبا وكِذَابًا وأَكذوبة وكاذِبة ومَكْذوبًا ومَكذَبة وكُذْبانا كغفران وكُذْبَى كبُشْرى، فهو كاذِب وكَذَّاب وكَذُوب وكَيْذَبان وكَيْذُبَان ومَكْذُوبان، وكُذَبة كهُمَزة، وكُذُبْذُب وكُذُبْذُبان وكُذُّبْذُب بالتشديد، قال جُرَيبة بن الأَشْيم:
فإِذا سمعتَ بأَنَّنى قد بِعْتُه ** بوِصالِ غانِيَة فقل كُذُّبْذُب

وجمع الكاذب: كُذَّب، كراكع ورُكَّع.
وجمع الكَذُوب: كُذُب، كصَبُور وصُبُر.
وقرأَ مُعَاذ بن جَبَل رضي الله عنه وسَلَمة بن محارب الزِّيادى وابن أَبى عَبْلة وأَبو البرهسم: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ} فجعلوه نعتًا للأَلسنة.
ويقال: كذب كُذَّابًا بالضمّ والتشديد أَى متناهِيًا.
وقرأَ عمر بن عبد العزيز: {وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّابًا} ويكون صفة على المبالغة كوُضَّاءٍ وحُسَّان.
ومن قرأ: {كِذَّابًا} بالكسر فهو أَحد مصادر المشدَّد؛ لأَن مصدره قد يجئ على تفعيل مثل التكليم، وعلى فِعَّال مثل كِذَّاب، وعلى تفعِلة مثل تكملة، وعلى مُفَعَّل مثل قوله تعالى: {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} وقرأَ علىّ رضي الله عنه والعُطَارِدِىّ والأَعمش والسُّلَمىّ والكسائىّ: {وَلاَ كِذَّابًا} وقيل: هو مصدر كَاذَبْتُه مكاذبةً وكِذَابًا، وقيل: مصدر كَذَب كِذَابًا مثل كتب كِتَابًا.
وأَكذبته: وجدته كاذبًا.
وقوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} كذَّبهم في اعتقادهم لا في مقالهم، فمقالُهم كان صدقًا.
وقوله: {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} نسب الكذب إِلى نفس الفعل، كقولهم: فَعْلة صادقة، وفعلة كاذبة.
وكَذَب قد يتعدَّى إِلى مفعولين، تقول: كَذَبتك حديثًا: {الَّذِينَ كَذَبُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}.
وكذَّبته: نسبته إِلى الكذب، صادقًا كان أَو كاذبًا.
وما جاءَ في القُرْآن ففى تكذيب الصَّادق، نحو قوله: {رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ} وقوله: {فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ} قرئ بالتخفيف والتشديد، ومعناه: لا يجدونك كاذبًا، ولا يستطيعون أَن يثبتوا كذبك.
وقوله: {وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} أَى علموا أَنهم تُلُقُّوا من جهة الَّذين أُرسلوا إِليهم بالكذب.
فكُذِّبوا نحو فسّقوا وزُنٌّوا وخُطِّئوا إِذا نسبوا إِلى شيء من ذلك.
وقرئ: {كُذِبُوا} بالتخفيف من قولهم: كَذَبتك حديثا، أَى ظنَّ المرسَل إِليهم أَن الرّسل قد كَذَبوهم فيما أَخبروهم به: أَنهم إِن لم يؤمنوا بهم نزل بهم العذاب.
وإِنَّما ظنُّوا ذلك من إِمهال الله تعالى إِيَّاهم وإِملائه لهم.
وقوله: {لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ كِذَّابًا} الكِذَّاب: التكذيب، والمعنى: لا يَكذِبون فيكذِّبَ بعضهم بعضًا.
ونفى التكذيب عن الجنَّة يقتضى نفى الكذب عنها.
وقرئ: {كِذَابًا} كما تقدَّم، أَى لا يتكاذبون تكاذب النَّاس في الدُّنيا.
قال بعض المفسِّرين: ورد الكذب في القرآن:
1- بمعنى النِّفاق: {وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} أَى ينافقون، {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} منافقون.
2- وبمعنى الإِشراك بالله ونسبة الولد: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى اللَّهِ} {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ}.
3- وبمعنى قذف المحصَنات: {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} {فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَائِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ}.
4- وبمعنى الإِنكار: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}.
أَى ما أَنكر.
5- وبمعنى خُلْف الوعد: {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} أَى رَدّ وخُلف.
6- وبمعنى الكذب اللغوى: {بَلْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} {فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا} {فَكَذَّبُواْ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} {فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ} {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ}. والله أَعلم. اهـ.